العلم من أجلّ الفضائل وأشرف المزايا، وأعزّ مايتحلّى به الإنسان، فهو أساس الحضارة ومصدر أمجاد الأمم، والمعرفة نتاج العلم وهي التي تشكّل الحضارة الإنسانيّة التي تحمي المجتمع من الجهل والخرافة، ولا علم ولا معرفة من دون المعلّم، فهو منبع العلم ورمز المعرفة، وهواللّبنة الأساسيّة في بناء حضارات الأمم، ورسم ملامح التقدّم في البلاد.
المعلّم هو المحرّك الرئيسيّ للعمليّة التعليميّة ،وأهم الرّكائز والمقوّمات التي تحدّد نجاحها أو فشلها، ومهنة المعلّم هي المهنة الأكثر معنىً والأكثر خلدًا في تاريخ البشريّة، لأنّها تتعامل بشكل أساسيّ مع العقل الإنسانيّ، الذي يعتبر من أكبر النّعم التي وهبها الله تعالى للإنسان.
المعلّم من الأشخاص الذين لهم فضائل كبيرة في المجتمع، فهو حجر الأساس والقوّة التي تبني الأسس القويمة في الوطن والمجتمع، فلا يمكن الاستغناء عنه لأنّه هو الذي يخرّج جميع فئات المجتمع.
المعلّم صاحب أكبر وأصعب مسؤوليّة في الحياة وهو يتحمّل صعوبات هذا الطّريق الذي اختاره، ويفني عمره كلّه ويضحي بجهده ووقته ويكون فدائيّا في سبيل توصيل العلم لطلّابه، إنّه المرشد في رحلة المعرفة طوال حياة الطالب، فهو لايقدّم المعلومات فحسب، بل يساعد طلّابه أيضا في الوصول إلى الطّريق الصحيح، ويجهزّهم للحياة فيكون المصباح الذي يستخدمه الطلاب لإنارة دروبهم عندما يسيروا في ظلمات الحياة.
المعلّم هو المورد الدائم الذي لاينقطع حتى بعدموته، فيبقى غرسه الذي لايزول أثره، لأنّه العلم النّافع الذي تحمله الأجيال من بعده.
إنّ هذا المعلّم الذي اختار طريق التّعليم، والذي يعتبر الإصلاح من مسؤوليّاته وأولويّات وظيفته، وهو يعلم أنّه بحسن نيّته وإخلاصه في عمله، ينتظره الخير والأجر عند الله، لأنّ مهنته من أشرف وأسمى الأعمال التي قد يقوم بها الإنسان، ولكنّه يحترق على مظلوميّة واقعه وسوء أحواله الماديّة، بسبب حاجته إلى مايعينه على أداء واجبه وتأمين معيشته ومعيشة أسرته، فهو لا يهنأ بأكل حلال راتبه، لأنّه لم يعد تتوفّر له حتى ضروريّات الحياة والعيش بحياة كريمة ورغيدة، فقد أصبح راتب المعلّم الذي يتقاضاه من أقلّ الرّواتب بين الوظائف، فبدلا من أن يشعر المعلّم بأنّ مهنته مقدّرة، وأنّه يتمّ الحفاظ على قيمته كمعلّم والإعلاء من شأنه وطمأنته ومساعدته وتوفير أسباب الرّاحة والسّكينة له في جميع الأطوار والمستويات لما يزيد ذلك من عزمه وحماسته فيبذل أقصى ماعنده ويكون قادرا على العطاء ويطوّر إمكانيّاته، ويرفع من مستوى المتعلّمين، ويتفرّغ لأداء المسؤوليّة الملقاة على عاتقه على أحسن وجه، يجد نفسه عوضا عن ذلك كلّه مرهقا طيلة فترات عمله، وهمّه السعي وراء تحسين وضعه المعيشيّ، والنّضال من أجل رفع راتبه الزّهيد الذي لا يكفيه لنصف الشّهر، هذا إذا كان يأتيه راتبه شهريا ناهيك عن الآلاف من المعلمين في وطننا الذين لا يتلقّون رواتبهم إلا سنويّا…
إنّ المعلّم لا يجد في وطننا إلّا الإهمال وعدم الرّعايةوالاهتمام وعدم الحفاظ عليه وعلى مهنته، ولا يجد من يعترف بفضله ويقدّر جهوده ويقف بجانبه ويحمي حقوقه.
وقد سُئِل امبراطور اليابان ذات يوم عن سرّ نهضة وتفوّق اليابان العلميّ وعن أسباب تقدّم دولته في هذا الوقت القصير بعد أن خرجت من الحرب العالميّة الثانية مدمّرة مهزومة، فأجاب:” بدأنا من حيث انتهى الآخرون، وتعلّمنا من أخطائهم، ومنحنا المعلّم حصانة الدبلوماسيّ وراتب الوزير”.
إنّ المعلّم هو عماد البلاد وأساس التّنمية والنّهضة، وبدونه لا يمكن أن يتقدّم وطن أو تُحصّن دولة أو ترتقي أمّة أويتقدّم شعب لأنّ المعلّم هو الوحيد القادر على استيعاب كافّة التيّارات وصهرها بالعلم والتّنوير، فهدم الأمم يكون بهدم التّعليم والتّعليم لايهدم إلا من خلال المعلّم وذلك عندما يتمّ إهماله ولا يعُطى حقوقه، فلا تقدّم ولا ازدهار ولا رقيّ عزّة ولا كرامة لمجتمع والمعلّم فيه مظلوم ومسلوبة حقوقه، لذلك يجب بل ويُلقى على عاتق الدّولة بكافّة وزاراتها والمنظومة التربويّة والمؤسّسات التعليميّة مسؤوليّة الاهتمام بالمعلّم ومنحه المكانة التي تليق به في المجتمع لتجعله يرقى بمهنة التّعليم، ويبدع في تحقيق رسالته العلميّة والتربويّة.